وكالات

في زمن أصبحت فيه تفاصيل الحياة الرقمية للاعبين لا تقل أهمية عن أدائهم في الملاعب، لم تعد تحركات النجوم داخل المستطيل الأخضر وحدها محور اهتمام الجماهير ووسائل الإعلام. فإلغاء متابعة، أو تعليق عابر، أو حتى تفاعل بسيط على منصات التواصل الاجتماعي، قد يفتح الباب أمام سيل من التفسيرات والتكهنات.

آخر هذه الحالات جاءت من برشلونة، حيث أقدم لامين يامال، الجوهرة الصاعدة في الفريق الكتالوني، على إلغاء متابعته لليونيل ميسي، أسطورة النادي السابق، على منصة “إنستغرام“. تصرّف بسيط في ظاهره، لكنه أثار ضجة واسعة، خصوصًا بعد أن نقلت صحيفة “سبورت” الخبر، وطرحت سؤالًا جوهريًا:
ما الذي يدفع لاعبًا شابًا في بداية مسيرته إلى اتخاذ خطوة كهذه تجاه من يُعتبر قدوته الأولى؟

البحث عن التقدير الشخصي

أحد التفسيرات المحتملة يكمن في البُعد النفسي والرغبة البشرية في الاعتراف والتميز. فلامين يامال، الذي كثيرًا ما تتم مقارنته بميسي، قد يكون شعر بنوع من التجاهل أو “البرود العاطفي” من طرف النجم الأرجنتيني.

تُشير التقارير إلى أن يامال كان يتابع ميسي منذ فترة، بينما لم يُبادر الأخير إلى الرد بالمثل.

وفي عالم شاب في السابعة عشرة من عمره، غارق في الأضواء والتوقعات، قد تُفسر هذه اللامبالاة الرقمية كعدم تقدير، أو على الأقل كفقدان لفتة كان يتطلع إليها.

فعندما يُهنئ ميسي الفريق بأكمله في منشور جماعي، قد لا يشعر يامال بأن تلك الكلمات تعنيه شخصيًا، خاصة في ظل كمّ المقارنات التي تضعه على خطى “البرغوث”. هنا، تصبح الإشادة الخاصة ذات معنى، ويصبح غيابها مصدر خيبة.

حسابات التسويق والدعاية

لكن كرة القدم في عصرها الحديث لم تعد مجرد لعبة؛ إنها أيضًا صناعة ضخمة تحركها شركات عملاقة، واستراتيجيات تسويق محكمة.

من هذا المنظور، يُمكن النظر إلى خطوة “إلغاء المتابعة” باعتبارها جزءًا من خطة ترويجية مدروسة، ربما تمهيدًا لحملة إعلانية مشتركة، أو صراع تنافسي بين علامتين تجاريتين.

ففي عالم التسويق الرياضي، ليس من الغريب أن تُخلق حالة من “الغموض” أو “الجدل المصطنع” لجذب الانتباه قبل الكشف عن مفاجأة مرتقبة. وقد تكون هذه الحيلة مقدمة لتعاون غير متوقع بين النجمين، أو لمحتوى دعائي مشترك.

الولاء للعلامات التجارية

وربما يكون التفسير الأكثر واقعية مرتبطًا بالجانب التجاري الصرف.

ميسي يُعد وجهًا بارزًا لشركة “أديداس” منذ سنوات، بينما تدور مؤشرات قوية حول اقتراب يامال من توقيع عقد رعاية ضخم مع “نايكي”، الخصم اللدود في عالم صناعة المستلزمات الرياضية.

وفي مثل هذه الحالات، كثيرًا ما تتضمن العقود بنودًا صريحة تمنع أي ارتباط – ولو كان رقميًا – مع نجوم يمثلون علامات منافسة. وبالتالي، قد يكون إلغاء متابعة ميسي جزءًا من استراتيجية تسويقية أوسع لـ”نايكي”، تهدف إلى تقديم يامال كوجه جديد مستقل، لا يرتبط ظله بأي “قدوة تجارية” منافسة.

قرار بسيط.. يعكس تعقيدات عميقة

في النهاية، قد لا يكون هناك سبب واحد واضح لهذه الخطوة، وربما يكون الدافع الحقيقي مزيجًا من العوامل: شعور شخصي، حسابات تجارية، أو مجرد صدفة لا تحمل أي مغزى.

لكن ما لا شك فيه هو أن هذه الحادثة، مهما بدت بسيطة، تعكس عمق التحول الذي عرفه عالم كرة القدم؛ حيث أصبحت القرارات الشخصية للاعبين، سواء داخل الملعب أو خارجه، مرتبطة بشبكة معقدة من التوقعات، والعقود، والضغوط النفسية، والتوازنات الإعلامية.

في عصر ما بعد ميسي ورونالدو، يبدو أن النجوم الجدد لا يكتفون بمهاراتهم، بل يصيغون حضورهم عبر كل “إلغاء متابعة”، وكل صورة، وكل قصة تُنشر أو تُحذف.

شاركها.